اغتيال نصر الله وتصاعد التوتر- إسرائيل ولبنان على حافة الحرب؟

المؤلف: إيهاب جبارين10.09.2025
اغتيال نصر الله وتصاعد التوتر- إسرائيل ولبنان على حافة الحرب؟

في تطور دراماتيكي ومباغت، تناقلت وسائل الإعلام الإسرائيلية في الساعات الأولى من صباح اليوم نبأً عن عملية اغتيال طالت الأمين العام لحزب الله اللبناني، السيد حسن نصر الله، وذلك في عملية استثنائية وجريئة نُفذت بدقة وإحكام من قبل وحدات خاصة تابعة للجيش الإسرائيلي. يأتي هذا الحدث الجلل في خضم تصاعد حدة التوتر بشكل غير مسبوق على امتداد الجبهة الشمالية لإسرائيل مع الأراضي اللبنانية، وسط تبادل للقصف والمعارك المستمرة، وظهور مؤشرات ومعطيات جديدة تنذر بتغيير في توازن القوى الإقليمي. ويعتبر هذا الاغتيال منعطفًا حاسمًا يفتح الباب واسعًا أمام العديد من التساؤلات والتحليلات حول التداعيات المحتملة على كل من الساحة السياسية والأمنية في لبنان ومنطقة الشرق الأوسط برمتها، كما يثير في الوقت نفسه مخاوف جمة من ردود فعل انتقامية عنيفة من قبل حزب الله وحلفائه في المنطقة.

في سياق متصل، كانت الحكومة الإسرائيلية قد أعلنت في وقت سابق عن قرارها باستدعاء لواءين احتياطيين للالتحاق بالخدمة على الجبهة الشمالية، وذلك بالتزامن مع انعقاد جلسة طارئة للكابينت الأمني. وفي ظل هذه الظروف الدقيقة والحساسة، يثور تساؤل هام: هل استخلصت القيادة الإسرائيلية الدروس والعبر من تحقيقات لجنة فينوغراد التي شُكلت للتحقيق في إخفاقات حرب لبنان عام 2006؟ وهل هي على أتم الاستعداد لخوض هذه المرحلة بكل ما تنطوي عليه من معطيات وتحديات؟ خاصة وأنها تواجه الآن ملفًا ضخمًا يتألف من ستمئة صفحة، كل سطر فيه يعكس بشكل جلي حالة الضعف والتردي التي تعاني منها المؤسسة العسكرية والأمنية الإسرائيلية. وعليه، فإن كل خطوة تخطوها إسرائيل يجب أن تخضع لتقييم دقيق ومفصل وفقًا لما ورد في ذلك الملف، وتحديدًا فيما يتعلق بمخاطر وتداعيات أي اجتياح بري محتمل للأراضي اللبنانية!

إن الخوض في الحديث عن الاجتياح البري يعيد إلى الأذهان مباشرة ذكريات عام 2006 المريرة، أو ما يمكن أن نطلق عليه "متلازمة عام 2006". فإسرائيل تدرك تمام الإدراك أنها تمتلك قوة جوية ضاربة وقادرة على تحقيق أهداف استراتيجية مهمة، ولو أنها اكتفت بالاعتماد عليها وحدها، لكانت قد حققت النصر بلا أدنى شك، ولكن هزيمتها النكراء في ذلك العام كانت نتيجة مباشرة للتورط في التوغل البري الذي أثبت محدوديته وفشله الذريع.

وإذا كانت إسرائيل تطمح إلى كسر هذه المعضلة التاريخية، فإنه يتعين عليها أن تمتلك معطيات استخباراتية دقيقة وشاملة، خاصة وأنها تخوض حاليًا حربًا أخرى شرسة وطاحنة على قطاع غزة. وهذا يوضح بجلاء أن الظروف والتحديات السابقة ليست مماثلة بأي حال من الأحوال للظروف الراهنة، كما أن القدرات العسكرية والتكتيكية لحزب الله قد شهدت تطورات هائلة منذ عام 2006 وحتى اليوم، وكذلك هو الحال بالنسبة لقدرات الجيش الإسرائيلي.

وبناءً على ذلك، فإن الإشكالية الحقيقية تكمن في أن إسرائيل تفتقر إلى معرفة دقيقة ومفصلة حول القدرات الحقيقية لحزب الله، فهي لم تخض معه أي مواجهة عسكرية مباشرة منذ سنوات طويلة، ولهذا فإن كل ما تقوم به إسرائيل حاليًا يمكن اعتباره مجرد محاولة لاستشعار النبض أو أقرب ما يكون إلى عملية تقييم شاملة لما يملكه ويستطيعه حزب الله إذا ما أقدمت إسرائيل على تصعيد المواجهة إلى مرحلة متقدمة، ومدى قدرتها على تحمل تبعات خوض حرب على مستويات أعلى وأكثر تعقيدًا.

وفي خضم هذه التطورات المتسارعة، وفي ظل الحرب الدائرة رحاها على جبهتي غزة ولبنان، لا بد لنا من التوقف عند نقطة بالغة الأهمية، وهي أننا لا نستطيع بأي حال من الأحوال أن نقيس مجريات الأمور في الجبهة الشمالية على أساس ما قامت به إسرائيل في قطاع غزة في بداية الحرب. فالمعطيات والقدرات مختلفة بشكل كبير، كما ذكرنا سابقًا. فعندما توغلت إسرائيل في قطاع غزة، كانت تعيش حالة من الارتباك وعدم اليقين، ولكنها الآن لديها ترتيبات مُحكمة واحتياطات متخذة، وكانت قد وضعت في الحسبان كل السيناريوهات المحتملة، من أفضلها إلى أسوئها، حول كل ما سيحدث في حال أقدمت على الضغط على زناد الحرب!

تدرك إسرائيل تمامًا أن كل خطوة تتخذها تجاه حزب الله قائمة على ما يمكن تسميته "إستراتيجية المرآة"، بمعنى أن كل فعل تقوم به إسرائيل، سيقوم حزب الله بالرد عليه بنفس المستوى والمقدار. وهذا ما تحاول إسرائيل جاهدة تغييره، فهي تعلم أن لدى حزب الله معرفة واسعة بالكثير من المناطق الحساسة ويمكنه الوصول إليها بسهولة، وهذا لا يفاجئها على الإطلاق، خاصة بعد بث حزب الله لما صورته طائرة "الهدهد" المسيرة، فمنذ ذلك اليوم أدركت إسرائيل أن حزب الله يمتلك شبكة استخباراتية واسعة قادرة على كشف المناطق الحساسة.

وحتى لو كانت مثل هذه الأهداف تقع تحت مرمى نيران حزب الله، فإن إسرائيل تتعامل مع هذه المنشآت بنوع من التعتيم الإعلامي الشديد. وبالمناسبة، هناك اختلاف واضح في طريقة تعامل إسرائيل مع المستويين: السياسي والعسكري، وخاصة فيما يتعلق بالاستهلاك الإعلامي. وقد اكتسبت إسرائيل في هذا الصدد تجربة واضحة وكبيرة في حربها على غزة، حيث كان هناك نوع من التماهي بين المستويين في البداية، ثم بدأ المستوى السياسي في التهويل وتضخيم مجريات الأمور، بينما أصبح المستوى العسكري أكثر دقة وحساسية في تعامله مع الأحداث.

إن المشهد برمته، أي طريقة تعامل إسرائيل مع الضفة الغربية وقطاع غزة، يختلف كليًا عن طريقة تعاملها مع الجبهة الشمالية. ففيما يتعلق بالضفة والقطاع، هناك أصوات داخل إسرائيل تزعم أن المقاومة الفلسطينية ما هي إلا رد فعل طبيعي على الاحتلال، وهي أصوات موجودة حتى داخل المؤسسات العسكرية والسياسية، حيث يوقنون بأن المقاومة هي جزء لا يتجزأ من رد الفعل الطبيعي، فما دام هناك احتلال، فستكون هناك مقاومة لا محالة.

وحتى داخل أوساط اليمين الإسرائيلي المتطرف، هناك من يصف المقاومين الفلسطينيين بـ"محاربي الحرية"، ولكنهم لا يجرؤون على التصريح بذلك علنًا. أما فيما يتعلق بالجبهة الشمالية، فإن تعاطي إسرائيل مع مفاهيم الأمن القومي يختلف كليًا، فحزب الله مرتبط بإيران بعلاقات وثيقة، ونتنياهو على مدار الخمسة عشر عامًا الماضية أدخل إسرائيل في حالة من "البارانويا الإيرانية" واستهلكها بشكل كبير، وهذه هي فرصته الذهبية لكي يثبت للعالم أجمع مدى خطورة الوجود الإيراني، وأن كل ما يقع خلف الحدود الشمالية هو تهديد حقيقي للوجود الإسرائيلي.

لذلك، فإن كل الخلافات السياسية والإستراتيجية تتلاشى وتتضاءل أمام هذه التهديدات المتصورة حسب الرؤية الإسرائيلية. وإذا سُئل أي شخص في إسرائيل عن الشخص الذي يشعر تجاهه بثقة أكبر، فسيختار نتنياهو دون تردد، حتى ولو كان هذا الشخص من اليسار أو من أشد المعارضين لنتنياهو!

من الأهمية بمكان أن ندرك أن هناك ثأرًا دفينًا ومبيتًا بين إسرائيل وحزب الله منذ حرب عام 2006. فإذا عدنا بالذاكرة إلى السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وسألنا عن السبب الرئيسي الذي دفع إسرائيل لخوض هذه الحرب الشعواء، فسيكون الجواب بلا شك أنها "طُعنت في الخاصرة الأهم"، أي هيبة الردع العسكرية التي لطالما تباهت بها.

وبالتالي، فإن إسرائيل تشعر بحاجة ماسة لاستعادة هيبتها المفقودة، خاصة وأن لديها ثأرًا قديمًا مع حزب الله، لذا فإن الرؤية السياسية تتلاقى وتتماشى مع الأهداف العسكرية العليا، وهذا بخلاف طريقة التعامل مع ملف حركة حماس، حيث يوجد خلاف عميق في وجهات النظر داخل إسرائيل فيما يتعلق بهدف الإطاحة بحماس والتعامل مع قطاع غزة.

السؤال الأهم الذي يطرح نفسه بإلحاح في هذا السياق: ما هو مقياس النصر الذي تسعى إسرائيل لتحقيقه في حربها المحتملة على لبنان؟ وعند محاولة الإجابة على هذا السؤال، تظهر نقطة الاختلاف والتباين بوضوح، فهناك من يرى أن الهدف الأساسي يجب أن يكون إزاحة تمركز حزب الله إلى ما بعد نهر الليطاني، وهناك من يرى صورة النصر في الإطاحة بحزب الله وإنهاء وجوده بشكل كامل، وهناك من يرى أن النصر الحقيقي يكمن في الاستيطان الفعلي في الجنوب اللبناني. وهذا يعيدنا إلى المشروع الاستيطاني الأساسي الذي يتبناه كل من بن غفير وسموتريتش، ولهذا السبب بالذات لا يوجد مقياس أو تعريف واضح ومحدد للنصر.

هناك تباين واضح في وجهات النظر حتى داخل المضمار الدبلوماسي، وحتى لدى أطياف المعارضة الإسرائيلية. فالمعارضة الإسرائيلية تقرّ وتعترف بأن الدخول في المسار الدبلوماسي لا يمكن أن يتحقق إلا بعد إظهار القوة العسكرية، ومثالًا على ذلك تجربة إسرائيل مع مصر عام 1982 واتفاقية كامب ديفيد. ولكن لا يمكن القياس على هذه التجربة، والسبب في ذلك أنها كانت تتعامل مع دولة ذات سيادة، أما الآن فهي تتعامل مع منظمات مسلحة تصفها بـ"المنظمات الإرهابية"، ولا يمكنها بالتالي التعامل معها بنفس الطريقة التي تعاملت بها مع دولة كمصر.

وفي الختام، يبقى لدينا السؤال الكبير الذي يلح على الأذهان: ما الذي يريده نتنياهو حقًا؟ هل يريد مثلًا إعادة السكان إلى الشمال؟ وهل استطاع استعادة أسراه من القطاع رغم السيطرة الكاملة عليه؟! إذن، ما الذي يسعى إليه تحديدًا في الجبهة اللبنانية؟ هل يريد توريث هذه القضية المعقدة بكل تفاصيلها إلى داخل الشارع الإسرائيلي ولمن سيخلفه في الحكم من بعده؟ أم أنه يطمح من خلال ذلك إلى تحقيق مكاسب سياسية من خلال المفاصلة والمفاضلة في جزئية طاولة المفاوضات؟!

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة